U3F1ZWV6ZTM3NDI4MTc4MTgxNzE1X0ZyZWUyMzYxMjkzMTI0MzgyNg==

قراءة في كتاب خواطر حمار

 

قراءة في كتاب خواطر حمار

 

تخيّل لحظة… أن الحمار، اللي طول عمره رمز للغباء، يمسك قلم… ويقرر كتابة مذكّراته، ويشرح للعالم منو هو فعلاً، ومنو الإنسان اللي يحكم عليه بدون ما يفهمه.

هذا اللي صار في كتاب خواطر حمار للكاتبة الفرنسية الكونتيسة دي سيجور… كتاب يتكون من 120 صفحة، مقسم إلى 14 فصلًا مليئة بالمغامرات، والفلسفة، والسخرية… لكن على لسان حمار اسمه كديشون.

---

المشهد الأول: المفارقة

كل حياتنا نسمع: حما”… كلمة تُستخدم كشتيمة.

لكن كديشون يوقف بوجه هذا الكلام ويقول:

مو إحنا الحمير… مرات أنتم اللي ما تعرفون تفكرون!

أول مفاجأة يقدمها الكتاب هو قلب الصورة:

الحمار هنا ذكي، واعٍ، ناقد، ومراقب حادّ للإنسان.

بل يلقبونه داخل الرواية بـ الحمار العالِم.

وفي جملة مؤثرة جدًا يقول:

كانت تقول من الكلام ما أحمرُّ خجلًا منه… أنا الحمار.

جملة تختصر فكرة الكتاب بالكامل:

الإنسان أحيانًا يتصرف بطريقة تخجل منها الحيوانات نفسها.

---

المشهد الثاني: البداية من السوق

تنطلق القصة من السوق.

كديشون محمّل بالأوزان، يدفع، يسحب، يتعب…

ولا أحد يسأل: هل هو جائع؟ عطشان؟

وفجأة، من شدة الجوع، يذوق شيئًا بسيطًا من بضاعة صاحبته…

فتنهال عليه ضربًا بلا رحمة.

في تلك اللحظة… ينفجر داخله صوت الحرية:

يهرب!

ويبدأ رحلة طويلة، رحلة هروب واكتشاف، تفتح له أبواب عالم جديد ما كان يعرفه.

---

المشهد الثالث: رحلة الهروب والمغامرات

في طريقه… يلتقي بشرًا مختلفين:

– من يراقبهم من بعيد ويضحك على غبائهم

– من يحتال عليهم بدهائه

– من يخاف منهم

– ومن يتعرض بسببهم للخطر

وتبدأ شخصيته الحقيقية بالظهور:

حمار ماكر عندما يحتاج، شجاع عندما يُجبر، وفيلسوف عندما يستمع ويتأمل.

يسمع البشر يتحدثون، يغتابون، يتباهون، يتفاخرون…

فيبتسم ويقول بينه وبين نفسه:

أنتو اللي تفكرون نفسكم حكماء… وأنا اللي أتحمل!

---

المشهد الرابع: الجانب الإنساني

لكن الكتاب ما يصور البشر على أنهم سيئون دائمًا.

في رحلته، يلتقي كديشون عائلة طيبة، تعامل الحيوانات برحمة واحترام.

يعطونه طعامًا وماءً وراحة…

وهنا يبدأ يفهم أن البشر مثل الحيوانات… فيهم الطيب وفيهم القاسي.

وهذا يضيف طبقة مهمة من فلسفة الكتاب:

الحيوان لا يحقد… لكنه لا ينسى.

ولا يبالغ في الانتقام… لكنه يعرف معنى المعروف.

---

المشهد الخامس: البعد الأدبي والتاريخي

قد يظن البعض أن كتابة قصة على لسان حمار فكرة غربية غريبة…

لكن الحقيقة؟

هذا الأسلوب موجود في الأدب العربي منذ مئات السنين، مثل:

– كليلة ودمنة

– العيون اليواقظ

لكن الفرق أن سيجور تتوارى تمامًا خلف السرد،

لا تتدخل… لا تعلّق…

وتترك المجال للحمار وحده ليروي أحداث حياته،

ليحكي عن البشر… لا أن يحكي البشر عنه.

---

المشهد السادس: من هي دي سيجور؟

الكاتبة هي الكونتيسة صوفي روستوبتشينا، من أصول روسية، لكنها عاشت في فرنسا.

بدأت الكتابة في عمر متأخر، لكنها كتبت أكثر من 20 رواية، أغلبها للأطفال واليافعين.

وفي هذا الكتاب بالتحديد، تمزج الخيال بالسخرية بالفلسفة…

وتخلق عالم كامل يرويه الحيوان، بينما يكتشف الإنسان نفسه من خلاله.

---

المشهد السابع: الرسالة الأخيرة

خواطر حمار مو مجرد قصة لطيفة.

هو كتاب يفضح التناقضات البشرية:

قساوة بلا سبب، رحمة بلا مقابل، عبث، غرور، ذكاء، ضعف…

كل هذا يراه الحمار بوضوح، ويقول لنا بصراحة:

أنتم تروننا حميرًا… لكنكم في كثير من الأحيان، تتصرفون مثلنا أو أسوأ.

وفي النهاية، يبقى السؤال اللي يختم المقطع:

من الأذكى فعلًا؟ الإنسان… أم الحمار اللي عرف دنياه، ونظر لحياته بصدق أكثر منا؟




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة