U3F1ZWV6ZTM3NDI4MTc4MTgxNzE1X0ZyZWUyMzYxMjkzMTI0MzgyNg==

الرحلة المكية، اليوم العاشر الوقوف تحت ميزاب الرحمة

 

اليوم العاشر
الوقوف تحت ميزاب الرحمة

الكاتب/ عبد الاله الشبيبي

المقدمة: 

يصادف اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة (يوم دحو الأرض)، ونحن في جوار الكعبة المشرفة قد نوينا جميعاً صيام هذا اليوم المبارك، فهو اليوم الذي بسط الله تعالى فيه الأرض من تحت الكعبة على الماء، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك }وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا{([1]) كما أشار في آيات أخرى إلى بسط الأرض ومهدها تمهيداً لسكنها.

وذكر المفسرون القول التالي: الدحو والطحو هو البسط، ويوم دحو الأرض يوم بسطها، قال تعالى }وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ۝ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ۝ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ۝{([2]) ويراد به الخلقة أو الانبساط فعلاً من تحت الكعبة، فأصل الأرض هي الكعبة واتسعت الأرض من تحتها.

وعن الإمام الصادق (u) أنّه قال: (إن الله عز وجل دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى ثم دحاها من منى إلى عرفات ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرضُ من عرفاتٍ وعرفاتٌ من منى ومنى من الكعبة)([3]). ولهذا اليوم أعمال ومستحبات كثيرة منها الغسل والصيام والصلاة ركعتان وقت الضحى والدعاء بـ(اللهم داحي الكعبة).

الحرم المكي، ومكة المكرمة، والكعبة المعظمة:

ثم توجهنا إلى المحاضرة التي يعقدها المرشد في تمام الساعة الحادية عشر والربع صباحاً والتي كانت عن ذكر وإيضاح بعض فضائل مكة والحرم، إذ عندنا الحرم المكي، ومكة المكرمة، والكعبة المعظمة، فقال تعالى: }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ{([4]).

أما مكة المكرمة فقد ورد في حقها الكثير، إن مكة بلد عظمهُ الله وعظّم حرمته، حيث خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئاً من الأرض، وقد خاطب الرسول (ص) مكة وقال: (وإني لأعلم أنك حرم الله وأحب البلاد إلى الله... والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك... النائم في مكة كالمتهجد بالبلدان... أحب الأرض إلى الله مكة... ولا جبال أحب من جبالها).

أما الحرم المكي (فهو من‏ أقدس‏ بقاع‏ الأرض، يحرم القتال فيه، وقطع شجره، وقتل حيواناته السائبة وطيوره الحائمة. ولا يجوز الدخول فيه إلا بالإحرام ما لم يكن قد دخل محرماً قبل أقل من شهر. وتحية الدخول إليه هو العمرة المفردة التي يأتي بها الحاج بهذا الإحرام نفسه) ([5]).

وهناك العديد من الفضائل عن المسجد الحرام، نذكر منها عن أبي ذرٍّ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وضعَ في الأرضِ أولَ؟ قال: المسجدُ الحرامُ، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: المسجدُ الأقصى.

وعن حنان قال: قلت لأبي عبد الله (u) لم سمي بيت الله الحرام؟ قال: لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه.

والحرمة هنا يمكن أن تكون مأخوذة من الاحترام، يعني البيت المحترم الذي يحرم انتهاكه. كما يمكن أن يكون المعنى مأخوذاً من الحرمة بمعنى المنع، لأنه يمنع فيه شرعاً عدة أمور: احتقاره، والصيد فيه، والقتال فيه، ودخول المشركين إليه، ودخوله لأول مرة أو بعد شهر من الدخول السابق بغير إحرام.

بحذاء البيت المعمور:

أما الكعبة فقد سُمّيت بهذا الاسم لأنها بحذاء البيت المعمور، وروى عن الإمام الصادق (u) أنَّه سُئِل: لِمَ سُمِّيت الكعبة كعبة؟ قال: لأنها مربعة، فقيل له ولم صارت مربعة؟ قال: لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، فقيل له ولم صار البيت المعمور مربعاً؟ قال لأنه بحذاء العرش وهو مربع، فقيل له ولم صار العرش مربعاً؟ قال: لأن الكلمات التي بنى عليها الإسلام أربع وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

أول بيت وضع للناس:

أما أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً، كما قال تعالى: }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا{([6])... }وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{([7]). ولكنه أول بيت وضعت فيه البركة والهدى، وهذا بيت استعبد الله به خلقه، وجعله محل أنبيائه فهو شعبه. وعن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (u) لم سميت مكة بكة؟ فقال: لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً فيها بالأيدي.

اهم المستحبات: عند دخول مكة المكرمة:

وهناك مستحبات كثيرة عند دخول مكة المكرمة نذكر منها: الإكثار من ذكر الله عز وجل، وختم القرآن فيها، والإكثار من النظر إلى الكعبة فهي لوحدها عبادة، والطواف قدر ما تستطيع حتى لو تطوف (360) طواف([8])، والشرب من ماء زمزم، والصلاة في كل زاوية من زوايا البيت، كما يستحب للحاجّ أو المعتمر أن يغتسل قبل الدخول إلى الحرم.

هذه لمحة سريعة عن فضل الحرم المكي ومكة المكرمة والكعبة التي وردت في القران والروايات، فقد أخذنا جزءاً منها لاختصار الموضوع، أمّا حجر إسماعيل (u) فهو على شكل قوس، وفيه مدفن هاجر أم إسماعيل، وفيه قبور أنبياء ومدفن إسماعيل (u).

وهناك الميزاب([9]) واسمه ميزاب الرحمة لأن الرحمة تنزل فيه على العباد، وقبل الركن اليماني هناك منطقة اسمها المُستجار([10])، وهو المكان الذي انشق لفاطمة بنت أسد عند مخاضها بعلي بن أبي طالب (u)، والحطيم هو المكان الذي يكون بين الحجر الأسود والركن العراقي، وسُمّي بذلك لأن الذنوب تتحطم عنده ولأن الناس يحطم بعضهم بعضاً، أمّا الشاذروان([11]) فسُمّي بهذا الاسم لأنّه من أسس الكعبة.

 قرب مكتبة مكة المكرمة:

بعد صلاتي المغرب والعشاء تأتي الجموع للانطلاق نحو الحرم المكي والاطلاع على أهم الأماكن فيه، ولا ننسى مكان وجودنا في منطقة العزيزية شارع صدقي إذ توجد حافلات عند الباب تأخذك إلى الحرم قد جهزت من قبل الهيئة.

وقد تعرفنا على مكان ولادة النبي وهي قرب مكتبة مكة المكرمة حالياً قرب جبل أبي قبيس، وشعب بني هاشم (المكان الذي حاصر به المشركون النبي)، ولكن مع التوسعة الحديثة والإعمار اندثرت أغلب هذه المعالم والأماكن المهمة التي سكنها وعاش فيها رسول الله (ص)، وقسمٌ منها تحول إلى مشاريع أخرى.

ثم تعرفنا على مكان بيت النبي (ص) وخديجة قرب باب السلام، وتعرفنا أيضاً على دار الأرقم بن أبي الأرقم تحت السلالم (سابقاً كانت تُسمى باب بني شيبه)([12])، إذ يستحب الدخول من هذهِ الباب - باب السلام - وسميت بهذا الاسم في زمن النبي، وكان يدخل إلى المسجد الحرام ويخرج منها.

نصبت أمام الركن:

وقد دخلنا منها وتجمعنا عندها، حتى اكتمل العدد وسرنا إلى داخل الحرم ووقفنا أمام الكعبة والنظرات التي لا يُشبع منها، واطلعنا على باب المُستجار والميزاب ومقام إبراهيم والحجر الأسود.

ومن ثم سُمح لنا بالطواف وإهداء هذا الطواف إلى من نحب من الأهل والأحباب، ولا بد أن يبدأ الطواف من ركن الحجر الأسود إذ توجد علامات تدل عليه قد وضعت في الأعلى وهي على شكل شمعات ضوئية نصبت أمام الركن.

ورحنا نطوف مع الطائفين وبعدها توجهنا نحو الجدار وقبلناه، علماً أنّ تقبيل هذا الجدار مسموح على العكس من السنوات السابقة التي كان يمنع ذلك فيها.

وأنت تطوف ترى الحشود قد تزاحمت على موضع الحجر الأسود، الذي يحيطه إطار فضي عريض يمكن للإنسان أن يدخل رأسه فيه، وهو موضع تقديس وتبجيل لأنه كل ما تبقى من البيت الذي أسسه النبي إبراهيم (u)، وهو جوهرة أخرجت من الجنة فوضعت في ذلك الركن، ولعله الميثاق، ولهذا عندما تصل أمامه أثناء الطواف تقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة. وهو كما قيل يمين الله في الأرض فيكون استلامه مصافحة ومبايعة لرمز التوحيد في بذل الولاء والإخلاص في سبيل الله عز وجل. وقد حاولت مرات عدة أن أصل إليه فلم أستطع لكثرة الحشود التي تجتمع حوله، فهناك رجال أشداء ذوو عضلات قوية من ذوي البشرة السمراء لا يمكن لك أن تتخطاهم، ومن يصل إليه عليه أن يتشهد ويسلم أمره إلى الواحد الأحد([13]).

الطريق إلى مكة:

وهنا أنقل لكم ما يقوله صاحب كتاب (الطريق إلى مكة) بهذا الخصوص: (ولأن شفتي محمد (ص) قبلته في حجة الوداع قبل موته، فإن الحجاج يفعلون ذلك اقتداء به، وكان الرسول واعياً أن كل أجيال المسلمين من بعده ستقتدي به في كل أفعاله وأعماله، وكان يعلم أنه بتقبيله للحجر ستلتقي شفاه كل أجيال المسلمين من بعده في وضع تقبيله للحجر في احتضان رمزي أقوى من الزمن، وأقوى من الموت، لكل أمته في حجها. والحجاج، حين يُقَبِّلُونَ الحجر الأسود، كأنما يحتضنون الرسول ويحتضنون كل المسلمين الذين جاؤوا هنا من قبلهم وكل المسلمين الذين سيأتون هنا من بعدهم) ([14]).

حتى انتهت جولتنا لهذا اليوم في رحاب البيت الحرام وأرض مكة المكرمة، ثم توجهنا إلى الفندق عند تمام الساعة الثالثة فجراً بعد أن مررنا على سوق الخردة قرب (محبس الجن)، وعندها ركبنا الباص الأحمر وعدنا إلى الفندق.

كتاب مهم جلسات نفسيه.





([1]) سورة النازعات: الآية 30.

([2]) سورة النازعات: الآيات 30، 31، 32.

([3]) من لا يحضره الفقيه، ص242.

([4]) سورة العنكبوت: الآية 67.

([5]) ما وراء الفقه، السيد محمد الصدر، ج2، ق2، ص44.

([6]) سورة آل عمران: الآية 96.

([7]) سورة البقرة: الآية 125.

([8]) سمعت هذا الكلام عدة مرات من المُرشد ومن غيره، إذ يُستحب أن يطوف الحاجّ أو المعتمر 360 طوافاً أثناء إقامته في مكة المكرمة.

([9]) الميزاب: يقع على الحائط الشمالي من جهة حجر إسماعيل، مصنوع من الذهب.

([10]) موضع من مواضع الاستجارة والرجاء، يستحب للفرد الحاج أن يلتزم المُستجار ويلصق جسمه به ويعترف أمام الله سبحانه بذنوبه.

([11]) الشاذروان: فهو كالدكة في جانب الكعبة الذي فيه حجر إسماعيل بين الركنين العراقي والشامي وهو بقية أساس النبي إبراهيم.

([12]) يستحب أن يكون دخوله من باب بني شيبة، لأنه قيل في التاريخ: إن هبل بعد قلعه دفن تحت هذا الباب. فإذا دخله وطأ هبل تحت قدميه.

([13]) سألت أحدهم عندما استطاع أن يصل إليه ويضع رأسه، ماذا يوجد في داخله؟، قال: حجرات صغيرة خلف الإطار الزجاجي، ورائحة زكية، وفي تلك اللحظات سلمت أمري لله عز وجل.

([14]) الطريق إلى مكة، محمد أسد، ص544.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة