U3F1ZWV6ZTM3NDI4MTc4MTgxNzE1X0ZyZWUyMzYxMjkzMTI0MzgyNg==

على حافة الرحيل... عبد الإله الشبيبي

 على حافة الرحيل... قصة واقعية.


لحظة موت...

في خضم الحياة، نغفل كثيرًا عن حقيقة أن الموت ليس مجرد حدث بعيد، ينتظرنا عند أعتاب الشيخوخة. إنه رفيق دائم، يتربص بنا في كل لحظة، يرافق أنفاسنا، ويقف على أبوابنا دون استئذان. نعيش في أوهام الشباب، نعتقد أن الحيوية هي حصن منيع يمنع الرحيل. لكننا نشاهد كل يوم أحبابًا يغادرون الحياة في ريعان الشباب، وأصدقاء يودعون الدنيا قبل أن يترك الزمن أثره على وجوههم.


تجربة قاسية

وأنا عائد من زيارة الأربعين لعام 1447 هـ، كنت غارقًا في آثار الخطوات التي سارت نحو كربلاء. فجأة، وجدت نفسي أمام مشهد لم أتوقعه: سيارة عسكرية ضخمة، محملة بالزائرين، اندفعت نحوي كأن الزمن قرر أن يختصر حياتي في بضع ثوانٍ. ارتطمت سيارتي بقوة، تتقاذفها الصدمات كما تتقاذف الأمواج قاربًا هشًا، حتى قُذفت إلى الجزرة الوسطية. شعور بالعجز والذهول يجتاحني، ورأيت الموت يقترب بعجلاته الحديدية، وكأنها على وشك أن تسحقني وتطوي حياتي.


لحظة الإنقاذ

تجمهر الناس حولنا، هرعوا إليَّ يسابقون الزمن لانتشالي من بين أنياب الخطر. كانت أياديهم تمتد نحوي، ووجوههم مشدودة بالقلق، وعيونهم ترجوني أن أتشبث بالحياة. عندها، أدركت بوضوح أن الموت ليس إلا لحظة خاطفة، فاصلة حادة بين التنفس والصمت الأبدي.


تأملات عميقة

تلك اللحظات القصيرة، التي بدت في ظاهرها عابرة، امتدت في داخلي كدهر كامل. انطبع أثرها في أعماقي كما تنطبع النار في الصخر. أدركت أن الحياة خيط رفيع قد ينقطع فجأة بلا مقدمات، وأن الموت ليس حادثة نسمع عنها، بل هو زائر قد يدق بابك في أي لحظة، سواء كنت في طريق العودة من زيارة، أو في ضحكة مع الأصدقاء.


كربلاء والموت

وكأن اللحظة التي كادت تُنهي حياتي كانت مشهدًا مُقتطعًا من كربلاء. شعرت أن عجلات تلك السيارة العملاقة تقترب من صدري كما اقتربت سنابك الخيل من صدر الحسين عليه السلام. ارتطام الحديد كان صدى بعيدًا لطقطقة الرماح حين اخترقت أجساد أصحابه المخلصين، ورأيت التراب يتطاير حولي كما لو كان غبار المعركة. في أذني، كانت خفقة تشبه دقات الطبول التي سبقت المصيبة الكبرى. 

في تلك الثانية الممزقة بين الحياة والموت، أدركت أن الأربعين لم تكن إلا تدريبًا على الرحيل الأكبر، وأن كل خطوة نحو كربلاء كانت تمهيدًا للخطوة الأخيرة نحو الله.


رسالة للإنسان

هناك، على قارعة الطريق، وبين أصوات الناس الذين أنقذوني، أدركت أن العمر هدية هشة، يمكن أن تُسلب في ومضة برق. وأثمن ما يمكن أن نحمله في تلك اللحظة هو قلب عامر بالإيمان وصحائف بيضاء لا يخجل صاحبها عندما يُنادى اسمه.

فيا أيها الإنسان… أصلح أمرك قبل أن يُطوى كتابك على بياض، وأعدّ زادك قبل أن تُستدعى للرحيل بلا موعد. لا تكن ممن يرحل خالي الوفاض، بيض الصحائف، قليل الزاد، مثقلًا بالندم. تذكر أن الموت لا ينتظر منك إذنًا، وأن لقائك به حتمي، لكنك أنت الذي تحدد هل تلقاه وأنت مثقل بالحسرات، أم مطمئن القلب، قد أديت ما عليك، وحملت زادك للدار الباقية.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة