اريد ان اجالسهم واحدق في سيماء سلوكهم
المقدمة:
هنالك اشخاص مثقفين اتمنى ان التقيهم، اجلس معهم، واحدق جيدا في سيماء سلوكهم، ليس من اجل ان اتعلم منهم أو استنير من علومهم، اطلاقا، فقط اريد ان اعرف متى يبتسمون، ماهي الاشياء التي يرونها مضيئة في الحياة وتستحق التقدير، اذا كانوا يكتبون بهذا الكم من النقد والجلد والتعذيب للفؤاد، ويلتقطون بهذه الدقة كل التفاصيل السيئة بالحياة، كيف يقنعوني بان ما تمتلئ به جماجمهم من مفاهيم وقيم ومعلومات اخذت بهم الى طريق السعادة والراحة والاستقرار؟!
النقد والجلد:
يخال لي وانا اتصفح كتاباتهم المستمرة بالنقد النقد النقد، الجلد الجلد الجلد كم المشاكل التي بينهم وبين زوجاتهم، كم التشنجات التي مع عوائلهم، حجم عدم الثقة التي في بيئة عملهم، كم المجاملات الزائفة والندية التي مع اصدقائهم، من غير المعقول ان اعتقد ان لهؤلاء مقربون واصدقاء خٌلص وعوائل سعيدة، فهذا السواد القادرين على رصده، مؤكد وبشكل حاسم أنه مسخ دواخلهم وجعلها معتمة.
كي لا تفوت الفرصة:
هذا النوع من المثقفين سيء جدا، ومصاحبته والاستماع اليه يفوت عليك الكثير من الفرص، اما معاشرته فهذه كارثة، لأنها قاتلة للأبداع مئة بالمئة، المثقف ينتقد، وربما سمة المثقف هي النقد ولكن ان لا يلوح لك بشيء جميل من حولك فهذا شيء غير معقول بالمطلق.
في بيوتها الفقيرة:
اختر مدينة صغيرة مرهقة، وتصفح شوارعها المتعبة، وتمعن في بيوتها الفقيرة، عليك ان تعلم ان في واحد من هذه البيوت ورغم كل هذا التلوث البصري هنالك شاب يجلس في غرفته وهو يتعلم اللغة الانكليزية، واخر في الشارع الاخر وربما بعد اربع أو خمس شوارع يتعلم لغة الحاسوب والبرمجة، وفتاة في بيت اخر تسوده العشائرية والتشنجات، فكرت بخطة جهنمية لان تتحرر، وتجبر اقاربها وابناء حيها المتخلف بان تصير طبيبة، وعندها ستفرض على شاء من شاء، وكائناً من كان ان يحترمها ويقدرها ولا يتدخل في حياتها؟! هكذا هي طريقة التفكير المنهجية... مدينة خربة، شوارع متهالكة، مجتمع عشائري، لكن ثق واعتقد هنالك من يلوح لك من داخل هذه البيوت المعدمة والفقيرة بالابداع والاصرار والثقة.
الشمس اخذت منها:
ذات سنة بعيدة كتبت عن فتاة تبيع الغاز، فتاة صغيرة، اعجبني بشكل لافت ذكائها ولباقتها في البيع، كانت الفتاة مرهقة، واشعة الشمس حولت خدودها التي من المفروض ان تكون متوردة الى فاحمة، وانا التقطت طريقة تسويقها للقنينة ومدحتها؟! تخيل لو ان المثقف اعلاه رصد حالة الفتاة ماذا سيكتب حينها، سيكتب لك ان الدولة متخلفة، وان والدا هذه الفتاة قاتلان للطفولة، نعم، هو لا يستطيع ان يرى غير الاشياء السيئة، ولا يستطيع ان يسلط الضوء على الاشياء المضيئة.
ماذا تتمنين؟.
الفتاة التي تبيع الغاز كتبت عنها مقالا في وقتها وذيلته بسؤال: حينما تكبرين ماذا تتمنين؟ قالت اتمنى ان اكون معلمة؟... قبل سنة كنت احاضر في احدى الكليات، وبينما دخلت المحاضرة الأولى واذا بفتاة الغاز قد كبرت وصارت شابة جميلة، تجلس كطالبة محترمة الى جوار زميلاتها في الكلية، حلقت روحي فرحاً في وقتها، وكان اكمالها للدراسة مفاجئة جميلة. كتبها علي رمثان.
احسنت
ردحذف