U3F1ZWV6ZTM3NDI4MTc4MTgxNzE1X0ZyZWUyMzYxMjkzMTI0MzgyNg==

أنا هنا، لكنني لست أنا.


 

أنا هنا، لكنني لست أنا.


 مرحباً:

كل حاجة في البيت تفجر ذكرى ونزيفاً من الدمع، ذكريات كأنها خدوش لاتُمحى، هي كالثلمة التي لايعوضها بديل، أكثر مايرعبني الآن هو الأستوديو في هاتفي، أتحاشى الدخول إليه لضرورة ما، خوفاً من مواجهة صورة لأخي، أشعر أن كل شيء مني تغير، كبرت مبكراً، وخط الشيب عمري، كل فعل أو حديث يولّد عندي حسرة، ثم دموع يصعب السيطرة عليها، لم أعتد على ذرفها مسبقاً، تعلمت درساً بعد وفاته، أن كتمان الدمع كذبةُ رجلٍ يتظاهر بالصلابة والقوة، جربت ذلك لأجل أمي، فصرت أصرخ يومياً في سيارتي كما لو أعتدت على ممارسة سلوك لابد منه لإسكات الصوت الذي يهمس لي؛ يالصلافتك !! أنت هنا تتنفس وتأكل وتشرب ومن شاطرك نطفة أبيك في رحم أمك تحت التراب مجبولاً، صامتاً، ساكناً، ميتاً ؟! 


دراسة طبية:

بالأمس قرأت دراسة طبية تقول: إن الميت يُدرك نبأ وفاته لأن دماغ الميت يموت بعد عشر دقائق. 

ترى ماذا قال عني حينما أغمضت عينيه، وأخفيت عن أمي دمعة كانت تترجرج بعينه اليسرى؟! كيف يسامحني وأنا من دفعته نحو ثلاجة الموتى؟! جميعها بأقل من عشر دقائق التي تتحدث عنها الدراسة، إذاً كان مدركاً لخيانتي، لتحالفي مع الموت ضده، يالوقاحتي! 


قوانين الحياة:

قاسية قوانين هذه الحياة، تضخ لك المشاعر لتعيش، لتحس، لتُحب، لتتعلق، لكنها تقتلك بالحقيقة، عبثاً أُحاول تعويض فقده بالمواظبة على زيارة قبره في الأسبوع مرتين على أقل التقادير، أتعمد أن أزوره ليلاً لأنني أعرفه جيداً، كان يخاف الظلام ولم يعتد الغربة،الوحشة، يخال إلي أنه يعاتبني؛ كيف طاوعك قلبك أن تحشرني بين الغرباء في مكان لايكسر صمته سوى بوق إسرافيل؟! 


اموت مرتين:

 مع كل زيارة أموت مرتين وأكثر، قمت بتغطية شاهدة القبر بملائة خضراء لأنني لا أملك الشجاعة لمشاهدة إسمه ضمن لائحة الموتى، أنا جبان نعم، لأنني لست شجاعاً كما هو لأتخذ قراراً بالرحيل مبكراً، كيف لي أن أتكيف مع جملة كهذه (لنذهب فهو مرتاح هنا) ؟! 

أخي في القبر ويطلبون مني تركه عاجزاً في حفرة !! ماذا أفعل لهم ؟ ولأخي الذي لايكف عن زيارتي في المنام قائلاً ( مشتاقلك ليش تعوفني ورجلي توجعني ) ؟!

 

الثنائية : الحياة والموت

كنت دائماً - مع نفسي - أحاول عقد صفقة مع من بيده هذه الثنائية (الحياة - الموت) أفعل الخير وأسعى لأن أكون في معسكره بمقابل الإستجابة لدعائي (كون أموت آني قبل لا أشوف أخوي ميت لو أمي) لم أكن أعرف أن صفقات كهذه خاسرة والرابح الوحيد فيها هو الدفان الذي يفاوضني الآن على متر واحد بجانب أخي! 


تحطيم المحاولة:

أحاول أن أكون أنيقاً في حزني، حزن يليق بوسامة وجه أخي وهو على دكة المغتسل، لكن لغز تلك الدمعة التي سقطت من عينه اليسرى بعد موته بثوانٍ، تحطم محاولتي الكاذبة وتحيلني إلى مجنونٍ يبحث عن عقله المفقود في لحدٍ ضيق إلى جانب أخي. كتبها سلام الحسيني.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة