مع كتاب مبادئ الفلسفة ...
المقدمة:
بعد نشر المقطع السابق حول فن القراءة السريعة او اسرار القراءة السريعة، فكان الاقبال حول مشاهدة المقطع السابق لا باس بها، تشجعنا في الاستمرار ونشر المزيد مثل هكذا مواضيع، اليوم ستكون لنا وقفه اخرى مع كتاب اخر من اهم الكتب المعرفية التي دونها اصحابها في الفكر والفلسفة ومعرفة اسرار الكون والجمال وما وراء الطبيعة، انه كتاب "مبادئ الفلسفة" للمفكر والفيلسوف رينيه ديكارت، نأمل ان تقضوا معنا اجمل الاوقات، فلا تذهبوا بعيداً، ولا تنسونا من الاعجاب والاشتراك دعم وتشجيعاً لنا.
ماهية الفلسفة
ومقصدها عند ديكارت:
يرى ديكارت أن الفلسفة هي دراسة الحكمة، والحكمة علم واحد كلي، هي تفسير جامع للكون أو هي نظام شامل للمعرفة البشرية. وليست الفلسفة مجرد مجموعة معارف جزئية خاصة, وإنما هي علم المبادئ العامة، يعني: أنها علم للأصول التي هي أسمى ما في العلوم. فالفلسفة عند ديكارت يدخل فيها علم الله وعلم الطبيعة وعلم الإنسان, لكن دعامة الفلسفة عنده إنما هي في الفكر المدرك لذاته, والذي هو في ذاته مدرك الموجود الكامل أي: الله منبع كل وجود, والضامن لكل حقيقة
شرائط المبادئ
الأولى؟
ينبغي أن يتوافر في
تلك المبادئ شرطان: الأول: أن تكون من الوضوح والبداهة بحيث لا يشك الذهن في
حقيقتها إذا جد في النظر فيها. والثاني: أن تعتمد عليها معرفة الأشياء الأخرى, فلا
تتم تلك المعرفة بدونها، في حين أن المبادئ يمكن معرفتها بدون تلك الأشياء:
"ينبغي أن نستنبط من تلك المبادئ الأولى معرفة الأشياء التي تعتمد عليها بحيث
لا يكون من سلسلة الاستنباطات التي تقوم بها شيء إلا وهو شديد الجلاء". وعلى
ذلك يكون منهج الفلسفة هو المنهج الاستنباطي, ومعيارها الوضوح والتميز وربط
المعاني.
معنى الفلسفة
وموضوعاتها:
شاع بين الناس أن
الفلسفة موضوع لا تتناوله إلا عقول خاصة، وأنها لا تلذ إلا لقوم نظريين لم يروا في
الحياة خيراً من أن يجهدوا عقولهم في حل مسائل هي إلى الخيال أقرب منها إلى
الحقيقة، وأنها تبحث في خيالات عقيمة لا ينبني عليها في الحياة عمل؛ وإنهم في
زعمهم لمخطئون.
لم يرفع الإنسان عن
مستوى الحيوان إلا فكره وقوته العاقلة، فالحيوان يرى ويسمع بل ويتذكر، ولكنه لا
يستخدم هذه القوي إلا في حاجاته الوقتية؛ أما الإنسان فيرى ظواهر الكون على اختلاف
أنواعها فيتصورها ويكون له فيها رأيا، ثم يجتهد في تعرف عللها وعلاقة حقائق الكون
بظواهره.
أما موضوعات
الفلسفة فهي: ما بعد الطبيعة، فلسفة الطبيعة، علم النفس، المنطق، علم الجمال،
الاخلاق، فلسفة القانون، علم الاجتماع وفلسفة التاريخ.
لا تتفلسف :
في بعض الأحيان
نقول لأحدهم لا تتفلسف، تناول الموضوع كما هو وهنا يورد هذا المعنى بقوله: معنى "يتفلسف"
أنه يبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقة بعضها ببعض، وليس يخلو إنسان من هذا
العمل وقتا ما، فساغ لنا أن نقول: إن كل إنسان متوسط الفكر يتفلسف، وإن كل الناس
فيلسوف إلى حد ما، مع تفاوت فيما بينهم، إلا من استعبدته شهواته وانغمس في اللذائذ
المادية.
شجرة الفلسفة:
يقدم ديكارت
تشبيهًا مشهورًا للفلسفة بشجرة لها جذور وجذوع وفروع تحمل ثمارًا، إذ يقول: فإن
الفلسفة كلها أشبه بشجرة جذورها الميتافيزيقا، جذعها الفيزياء، والفروع التي تخرج
من هذا الجذع هي العلوم الأخرى التي ترتد إلى ثلاثة علوم رئيسية: هي الطب
والميكانيكا والأخلاق، وأنا أعني بهذه الأخيرة أسمى أخلاق وأكملها، أي تلك التي
تفترض معرفة كاملة بالعلوم الأخرى، والتي هي أقصى مراتب الحكمة.
حب الاستطلاع:
وهنا يذكر النظرة التأصيلية
التي فطرنا عليها حيث يقول: والانسان مفطور على حب الاستطلاع، وهذا الرغبة
المتأصلة في اعماق نفسه لا تستأصل وهي دافع قوى بنمو العقل، ويحمل على تطلب معرفة
الحقائق الكبرى الاساسية لهذا الوجود وتلك الحياة، وعلى البحث في على الاشياء
وعلاقه بعضها ببعض، وهذا ما دعا الانسان أن يتفلسف احسن من نفسه الجهل بالشيء فشك
فنظر ففكر، وغاية هذا التأمل ان يُستخدم في الحياة العملية. فالفلسفة اذا شوق وجد
وراء معرفة الاسباب الخفية للأشياء للتوفيق بين آرائنا واعمالنا.
الفلسفة والفيلسوف:
واصل كلمة فلسفة
وفيلسوف يوناني انهم اخذت من فيلوس ومعناها محب، سوفيا معناها الحكمة ، فمعنى
فيلسوف محب الحكمة ومعنى سوفوس: الحكيم، فاطلقوها على الموسيقي والطاهي والبحار
والنجار، ثم قصرت على من منح عقلاً راقياً، فلما جاء سقراط سمى نفسه فيلسوفاً اي
محباً للحكمة تواضعاً وتمييزاً عن السفسطائيين المتاجرين بالحكمة.
القوانين الأولية
للفكر:
وعندما نستخلص
حقيقه من حقيقه اخرى نسمى ذلك استنتاجاً وليكون الاستنتاج صحيحاً يجب ان نسير على
مقتضى قوانين تعصمنا من الخطأ، وتمنعنا من الوصول نتيجة باطلة: والقوانين الاولية
بالفكر ثلاثة:
اولاً: قانون الذاتية:
وهو أن كل شيء هو هو، وبعباره اخرى كل شيء هو نفسه.
ثانياً: قانون التناقض: وهو ان لا شيء يمكن ان
يكون هو وليس هو.
ثالثاً: القانون
الامتناع: وهو ان الشيء اما ان يكون او لا يكون، وبعباره اخرى: الشيء اما يجاب عنه
بنعم او بلا.
فلا يجب علينا
إهمال قوانين الفكر الصحيح كي لا نقع في المغالطات والسفسطة.
علم الجمال...
كما تعرض المؤلف
الى علم الجمال او علم الجميل: وهو علم يبحث في الشعور والاحساس واللذائذ التي
تبعثها مناظر الاشياء الجميلة. وهذا التعريف لا يسلم من النقد ان لم يكن خطأ
محضاً، فأن هذا العلم لا يبحث في الجميل فقط، بل يبحث في القبيح ايضاً... الجميل
يبعث في النفس الشعور بالحب والجاذبية واللذة والسرور، القبيح يبعث الشعور
بالكراهية والنفور، ولكن نرى جمال الطبيعة الرائع، والنجوم التي لا عداد لها سابحة
في الفضاء منثورة نثر الرمال في الصحراء والجبال الشامخة والبحار الشاسعة فنطلق
عليها اسم الجميل. وعليه فان الغرض الفلسفي من علم الجمال ام يبحث وينقل ويحدد ذلك.
اتساع دائرة العقل
من حين الى حين تزيد دائرة العقل الانساني اتساعاً
فتنهض موضوعات جديدة، وتقرر قضايا جديدة، وتجاب اجوبه جديدة، ويستكشف الخلف حلاً
لمسائل مفيدة لم يهتد لحلها السلف، مع ما لكل عصر من عصور التاريخ من طابع خاص لا يشاركة
فيه غيره، وان نظره سطحية لتكفي في اقناع القارئ بان القضايا تزداد تركباً وتعقيدا
كلما تقدم في المدنية والتهذيب بتقدم العقل البشري.
تتجلى للإنسان في
فلسفة اليونان ثلاثة عصور يسهل تمييز بعضها عن بعض، وهذا العصور توضح لنا الرقي
التدريجي الذي يتبعه العقل في تطور كل حضارة بشرية وهي: النظر في الكون، النظر في
الانسان نفسه، البحث المنظم.
تاريخ الفلسفة
الإسلامية:
في احد الفصول
يتحدث عن تاريخ الفلسفة الاسلامية، ويقون ان اغلب مؤسسي الفلسفة عند العرب
ومؤيديها اطباء وعلماء في الطبيعيات اكثر منهم رجال دين وعلى العكس من ذلك فلاسفة
الغرب في القرون الوسطى، فقد كان اكثرهم قساوسة، ولهذا لم يقتصر المسلمون في نظرهم
على الالهيات، بل كان البحث في الطب القديم والعلوم الطبيعية عندهم يسير جنبا لجنب
مع البحث في الالهيات وماوراء الطبيعة وترجموا كلام جالينوس في الطلب وقليدس في
الهندسة كما ترجموا كلام ارسطو في الالهيات.
ولهم الفضل على
الغرب بكل ما نقلوا او ابتكروا فكثير من كتب اليونان وابحاثهم ما كان يصل اليها
الغربيون لولا حفظ العرب لها ودراستهم اياها، كما أن كثيراً من مبتكراتهم
واختراعاتهم تعد من اسس المدنية الغربية.
اول من اشتهر من
المسلمين بالفلسفة:
اول من اشتهر من
المسلمين بالفلسفة يعقوب الكندي ويلقب بفيلسوف العرب، انه عربي صميم تبحر في
الفلسفة، وجاء بعده ابو نصر الفارابي لقب بالمعلم الثاني لحله معمعيات الفلسفة
اليونانية، وكان الفارابي كسائر فلاسفة المسلمين يرون ان الاسلام من قران وسنه حق،
وان الفلسفة حق، والحق لا يتعدد، فوجب أن تكون الفلسفة والاسلام متفقين. كما لإخوان
الصفا أثر كبير في الفلسفة الإسلامية الذين اجتمعوا في البصرة سراً، كانوا يقولون
إن السريعة قد دنسن بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها
الا بالفلسفة، لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية. وزعموا أنه متى
انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة فقد حصل الكمال فالفوا إحدى وخمسين رسالة ضمنها
خلاصة أنواع العلوم المعروفة.
الى هنا نصل في ختام موضوعنا لهذا اليوم نامل ان قدمنا عرض سهل وسلت لكتاب مبادئ الفلسفة، قد استفدتم منه ولا تنسونا بالأعجاب والاشتراك، انتظرونا في مقطع قادم، وشكرا لكم.
إرسال تعليق