تسويق وتسويغ الفساد...
المقدمة:
ربما يستغرب البعض كيف أصبح بعض المدونين و(اليوتيوبرية) من المشاهير وهم يصورون أنفسهم كيف يزدردون الطعام كما تزدرد الضباع فرائسها، أو كيف يشتمون أو حين يمارسون أفعال قبيحة وشاذة، يتقاضى اليوتيوبري راتباً شهرياً بعدما صار موظفاً في مؤسسة التفاهة العالمية، وكلما يرتفع رصيد تفاهته ترتفع (لايكاته) أكثر ويزداد راتبه الشهري وشهرته!!
بعض الأسئلة:
وهنا تكتض الأسئلة في أذهان الناس منها مثلاً : ماهي الفوائد المرجوة من هذا الهراء!؟ وهل يضع هذا الشخص بعض الحلول للمشاكل السياسية، الاجتماعية أو البيئية حتى ينال اعجاب الناس!؟ أم أنه لايختلف عن المهرج الذي غايته إضحاك الجمهور ، واذا كان كذلك لماذا تقدم له مؤسسة غامضة راتباً!؟ ومن خلق هذه الثقافة التي تسوق وتسوغ القبح!؟
نظام التفاهة:
تبدو عفوية قضية من هذا النوع، لكن حينما تقرأ كتاب (نظام التفاهة) ستتغير وجهة نظرك هذه، لأن جذور ثقافة التفاهة ناقشها معرفياً وباستفاضة السيد آلان دونو .
وفي عالمنا العربي حين تراقب الجوائز الأدبية والفنية وغيرها التي تُمنح عادة لأناس لا يستحقونها، وكأنها عقوبة للمتفوقين وللمتفانين من الذين لا زالوا يحتفظون بشيء يسبب للرأسمالية العالمية بعض الدوار .
ربط التفاهة بالراسمالية:
يحاول آلان دونو ربط التفاهة بالرأسمالية ولا يعتبرها أعراض جانبية لها كما يتصور الكثير منا، بل لا يعتبرها عوامل مساعدة لوصول التجار لحكم الناس، كما تربع ترامب على عرش امريكا، ففي رأي السيد دونو التفاهة هي الرأسمالية. ناقش ماكس فيبر مبكرا هذا الموضوع، وظهر في كتابات بعض المفكرين الذين استغربوا لأن النظام العالمي الجديد يقدم النماذج السيئة من الناس، ويحاول أن يهمش الآخرين المتهمين بالرصانة!! وإلا كيف اصبحت المومسات شخصيات مهمة، والمثلين مثلاً للشرف والجوكر ليس رمزاً للشر ، ومن لا يقر بذلك يُعتبر أنسان متخلف.
ربط التفاهة بالتجارة:
قد يبدو الأمر غريباً حين يتم ربط التفاهة بالتجارة، لكن عندما يكون الحديث عن اللامبالاة التي تبديها الحكومات الرأسمالية وهي تتفرج على مواطنيها وهم يغرقون في الديون، من جراء السلف التي تقدمها المصارف الرأسمالية بفوائد باهظة جداً، حينئذٍ تصير للتفاهة معنى وهو الاستيلاء.
يُقدم ويستقدم:
وفقا لما تقدم، فأن نظام التفاهة يُقدم ويستقدم النماذج التي يسهل انتزاع ضمائرهم. نماذج التفاهة تخلق مناخاً وطقساً عاماً لدى الجماهير لنبذ أي شخصية محترمة سياسية، فنية، دينية واجتماعية كانت، أو غير ذلك، وإلا فأن القرقوز لا يفكر بمشاعر الفقراء، لأنهم في نظره مواد خام للسخرية التي يمارسها، تنتعش الفوضى بغياب الرصانة، وتتهيأ الرأسمالية للنمو مثل الأعشاب الضارة، فيظهر الطارىء الماكر الذي يتلاعب بالإعلام كما يتلاعب المقامر بنرد الحظ، وهذا المناخ يُشعر الناس بسهولة إرتكاب الأخطاء بحق أنفسهم أولاً وبحق الآخرين ثانياً، فقضية الحقوق والواجبات يبعدها الوعي الجمعي الزائف للمجتمعات، ويتلاشى الحق عن عيون الناس.
مبهرج وخادع:
وهذه الحفلة التنكرية ستمضي قُدما حتى بعد أن يخلع ويتخلى الجميع عن قناعه وعن كرامته، في جوٍ مبهرج وخادع، حيث سيشعر الناس أن الخطيئة ليست خطأً ، مادام الجميع ملوث بثقافة التفاهة المستشرية.. في واقعٍ يشكلونه ويشكلهم، فيعيشون في التفاهة ومن جرائها. كتبها سالم حميد.
إرسال تعليق