حتى يلج الجمل في سم الخياط...
المقدمة
كثير من الناس -إلا من رحم ربي- إذا حصل على معلومة غريبة مخالفة للظاهر المعروف تبقى تلج في صدره ويسأل الناس عنها، فإن عرفوها فهم علماء ومن لم يعرفها فهو من الجاهلين حتى لو كانت هذه المعلومة قد حصل عليها هذا الفرد من دون بحث وعناء كمشاهدته لها جاهزة في اليوتيوب من مفسر غريب الأطوار، وبمجرد سماعه لها يكون كأنه فاتح الفتوح.
المعنى الذي يفهمه الناس:
قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَاتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَابُ ٱلسَّمَاۤءِ وَلَا یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ یَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِی سَمِّ ٱلۡخِیَاطِ} [سورة الأعراف 40] والمعنى الذي يفهمه الناس من هذه الآية أنّ الله تعالى علّق دخول المكذبين بآيات الله تعالى إلى الجنة بشيء محال وهو دخول الجمل في سم الخياط، أي: من المستحيل أن يدخلوا الجنة.
الربط بين الجبل وسم الخياط:
ولكن بعضهم -كعلي الكيالي- يدعي أنّه لا يوجد ربط منطقي بين الجبل ودخول سم الخياط!! مع العلم أنّ العلاقة بالتمثيل هي عدم الإمكان والإستحالة وهي واضحة جداً في الفهم المتقدم، بل هكذا انواع من الأمثلة شائعة في كلمات العرب قديماً فكان شاعرهم يقول:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي
وصار القــار كاللبن الحليبِ
فالغراب يولد أسوداً ويموت أسوداً ولا يشيب أبداً، والقار، أي: الزفت، يستحيل أن يكون في يوم من الأيام أبيضاً كالحليب، ومعنى قول الشاعر: أنّه من سابع المستحيلات أن أرجع إلى أهلي إلا أن يشيب الغراب أو يصير الزفت أبيضاً وهذا التمثيل هو تأكيد للإستحالة.
بعض المعاني:
ومن أوضح معاني التأكيد للإستحالة وأجملها بلاغياً هو دخول الجمل إلى سم الخياط والعلاقة المنطقية بين سم الخياط والجمل هي الاستحالة وهي واضحة ويفهمها أي عربي فصيح وله حظ من البلاغة والفهم والذوق السليم.
ضرب الأمثال:
ولا يشترط في ضرب الأمثال في الإستحتالة إلا أن تكون صورة الاستحالة ظاهرة في الكلام وبينة كما ضرب الشاعر المثل بشيب الغراب وبياض القار، أما غير ذلك فليس بشرط في ضرب الأمثال ابداً، ولا يعد أكتشاف مناسبة من هنا وهناك دليل على بطلان التمثيل الظاهر معناه.
النصوص الروائية:
مضافاً إلى ذلك أنّ النصوص الروائية فسرت الجمل بالحيوان لا بخيط السفن، كما روى علي بن إبراهيم بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن الآية المتقدمة نزلت في طلحة والزبير والجمل جملهم [بحار الأنوار ج ٣٢ ص ١٠٦]، أي: جمل أصحاب حرب الجمل.
ليتحدى:
ويكفي أنّه في تلك الحرب وأيام الفصاحة والبلاغة والقريبة العهد من نزول القرآن الكريم المعجز في بلاغته وجاء ليتحدى أهل الفن من البلغاء في ذلك الزمان سميت تلك الحرب بحرب الجمل لا بحرب البعير!! وهذا يدل على أنّ الشائع هو استعمال الجمل في الحيوان.
علماء اللغة:
وكذلك علماء اللغة الخبراء كالراغب الأصفهاني لم يقولوا بإنّ الجمل هو البعير خاصة، بل من اسماء البعير هو الجمل لأنهم كانوا يتجملون به كما يتجملون وتزينون في البغال والحمير كما قال تعالى: {وَٱلۡخَیۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِیرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِینَةࣰ} [سورة النحل 8]، أو أنّها إذا بزلت، أي: خرجت لها الأنياب فتسمى جملاً.

إرسال تعليق