الإساءة إلى الأنبياء...
المقدمة:
لم تنفك حركة الإساءة إلى الأنبياء على أحد منهم، بل حتى النبي إبراهيم (عليه السلام) الذي جعل له الله تعالى لسان صدق في الآخرين كان له حظ مع تناقل الأحداث التاريخية المزيفة التي تسيء إليه، بالرغم من توافق جميع الأديان السماوية على حبه واحترامه.
كيف تناقل عن هؤلاء الأنبياء تلك الإساءات؟
وقد تسأل: كيف تناقل عن هؤلاء الأنبياء تلك الإساءات؟ مع أنهم -حتى على فرض عدم القول بعصمتهم المطلقة- يمثلون أعلى درجة في الخلق الإنساني؛ لأنّ النبي المبعوث للناس لا بدَّ أن يكون قدوة لهم، والقدوة لا بد أن يكون في أعلى سنام الخلق الكريم.
جواب ذلك:
نحن كشيعة ومن خلال اطلاعنا على تاريخ نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) الذي كتبه علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) نلاحظ أنهم قد بينوا لنا السبب وراء نقل تلك الإساءات، ويمكن تلخيص تلك الأسباب بالنقاط الآتية:
#النقطة_الأولى:
كان لكل نبي عدوًا كما قال تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام ١١٢].
وبعض هؤلاء الأعداء معروفين في صفوف الأعداء، وبعضهم الآخر متسترون بلباس الإيمان وهم المنافقون، والذين هم في ثقافة القرآن الكريم أشد فتكًا من العدو المشهور، وأكد على الحذر منهم أكثر من غيرهم.
#النقطة_الثانية:
هؤلاء المنافقون بعد وفاة كل نبي من الأنبياء يكونون مصدرًا من مصادر نقل سيرة الأنبياء، وفي هذه الحالة كان التعامل معهم على نحوين:
النحو الأوّل:
تعامل المدرسة العامية، حيث قالت بنطرية (عدالة جميع الصحابة) وبما أنّ المنافقين من الصحابة فقد قبلوا الأخبار الناقلة لسيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) منهم، ومن هنا ورد الكثير من المرويات المسيئة للنبي (صلى الله عليه وآله) في صحاحهم ومسانيدهم.
يقول الشيخ محمد هادي يوسفي الغروي بعد نقله من نماذج من التشنيعات في كتب الحديث العامية عن النبي الأعظم: (إلى ما هنالك مما يزيد في قبحه على ما ذكر أكثر بكثير، كل ذلك مما "قد فاجأتنا به الأنباء والسِّير" في المجاميع الحديثية وكُتب السيرة!… وأدهى ما في الأمر أنها مدونة في الكتب التي توصف بأنها أصحّ كتاب بعد الذكر الحكيم). المصدر: [موسوعة التاريخ الإسلامي، ج ١، ص ٣٨].
النحو الثاني:
تعامل علماء مدرسة أهل البيت مع السيرة النبوية؛ إذ أنها تعملت وفق الأسس الآتية:
#أولاً:
أخذ أصول قرآنية على أساسها تُرفض بعض الروايات المسيئة لمقام الأنبياء، فمن هذه الأساس:
أ ـ عصمة الأنبياء والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بالخصوص وأنّه {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى}. [النجم، آية ٣ ـ ٤]، ووفق هذا الأساس ترفض الأخبار التي تقول: إن القرآن نزل مؤيدًا لرأي عمر ورفض رأي النبي الأعظم، وأنّه كان يهجر وغيرها من المواقف.
ب ـ أنّه على خلق عظيم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. [القلم آية٤] وعلى أساسه يرفض كل خبر ينقل حادثة تاريخية منافية للأخلاق العظيمة، كما نقل من أنه عشق زينب بنت جحش، وأنه يترك الجيش لينفرد بزوجته ليسابقها في الصحراء وغيرها.
#ثانيًا:
عدم الأخذ من المنافقين ومن اعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن عدهم الفريق الأخر من عدول الصحابة! فمعاوية الذي يعتبر من العدول عندهم قال لما سمع المؤذن يؤذن: إن ابن أبي كبشة! يُصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدًا رسول الله، فأي عمل يبقى مع هذا؟! لا أُم لك.. لا والله إلا دفنًا دفنًا. المصدر: [موسوعة التاريخ الإسلامي، ج١، ص ٤٥].
ومع ذلك فمن الطبيعي أن نجد في تراث من يقول بعدالة هكذا أشخاص الكم الهائل من الإساءات والتحريفات لسيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومواقفه وأخلاقه وأحاديثه.
#النقطة_الثالثة:
أن ظاهرة المنافقين لم تكن خاصة برسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) بل تشير الآية السابقة الذكر أنّ لكل نبي عدوًا، وكان الأنبياء يشكون من أذى هؤلاء الأعداء قال تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ}. [الصف آية٥].
والمستفاد من هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الذين يؤذوه ليس من الأعداء المعروفين بل من المنافقين لكونهم من قومهم، وهو يلزمهم بأن كونه رسول الله يقتضي منهم عدم أذيته والكا،فر والعدو المعروف لا يكون من قومه ولا يعترف برسالته أصلاً.
#محل_الشاهد:
أنّ في كل الرسالات يوجد هناك أعداء للأنبياء من المنافقين هؤلاء يجهدون أنفسهم للإساءة إلى الأنبياء (عليهم السلام) وبعد وفاة كل نبي من الأنبياء يتصدر هؤلاء المشهد ويكونون مصدرًا من مصادر نقل سيرة كل نبي عاصروه فيقوموا بتأليف القصص والأكاذيب عملاً بنفاقهم القديم.
الأناجيل والتوراة:
ولا يبعد أنّ الأنا...جيل المحرفة والتو...راة قد كان ضمن رجالها والناقلين لقصصها التي تتضمن الإساءات أشخاصًا كانوا يعتبرون عدولاً على غرار عدالة جميع الصحابة فكانت أناجيلهم من ناحية الأخبار المسيئة كصحاح السنة ومسانيدهم.
الفرق بين الاثنين:
ولكن الفرق في أنّ علماء السنة ألتزموا بذكر أسانيد أغلب المرويات بينما جاءت الأناجيل والتوراة المحرفتان من دون سند؛ لأنّ الإسناد في النقل من خواص الأمة الإسلامية علمه للناس أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء في الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقًا فلكم وإن كان كذبًا فعليه). المصدر: [الكافي، ج١، ص ٥٢].
الخاتمة:
وهذا ليس رجمًا بالغيب، بل توجد في تواريخ بعض المذكورين في الأناجيل وثائق تشبه إلى حد قريب تواريخ بعض الرجال من رواة الصحاح وأنهم اعتبرهم المسيحيون من الخلص والحواريين مع أنهم في عصر المسيح كانوا من اعدائه. كتبها مصطفى محمد جاسم.
إرسال تعليق