التَحوَّل والتبدّل في الآراء والأفكار والتوجهات …
المقدمة:
علماء النفس الإجتماعي عندهم نظرية تسمّى بنظرية التحوّل من العقل المنفعل إلى العقل الفاعل، وهذه النظريّة تبين كيفيَّةَ الصراعَ المتواصل بين العقل الفاعل والعقل المنفعل للشخص المفكّر.
العقل المنفعل:
فالعقل المنفعل الذي كان يؤمن ببعض الأفكار والآراء والتوجهات نتيجة لإنفعاله ببعض المعطيات او النظريات او العادات او التقاليد او المناهج او البيئة او المحيط، يمكن له أن يتحوّل إلى العقل الفاعل والتي هي ملكة إنسانية ذهنية طبيعية، تتسم بالحساسية - النشاط والذكاء، وتمارس التفكير والتحليل وفق معطيات جديدة، ترنو إلى الرقي والارتقاء شخصياً ومجتمعياً.
ويمتلك صاحبها:
- فكراً ذكياً يقوم على تمحيص أموره وأمور مجتمعه حضارياً..
- ينتقد من أجل تحقيق الأفضل..
- صريح وواضح..
- يتسم بالصراحة والشجاعة ..
- مبتكر ومبدع..
الحضاري الأرقى:
لهذا تجده يتفاعل مع كل جديد ومفيد حتى لو كان هذا الجديد يخالف بعض ما كان يتبناه سابقًا، ويساهم في تطوير المجتمع باتجاه الاصلاح والتقدم والانتقال المستمر نحو بلوغ المستوى الحضاري الأرقى.
العقل الفاعل:
ويظهر من ذلك أنَّ "العقل الفاعل" يجسد الجانبَ الطبيعيّ "الحُرّ" من عقل الإنسان، الجانب المُتحفِّز المُتسائل والمُتشكِّك والمُبدِع والمُتطلِّع نحو اكتشاف اراء وتوجهات جديدة نافعة ومتطورة في حياة وفكر الفرد والمجتمع.
وعليه فإن العقل الباطن:
لهذا قالوا علماء النّفس إنَ العقـل الفاعل قد لا يموت نهائيا ً لدى فئة من الأشخاص، بل يظـل قابعاً ومُنـزويًا في أعماق ذات الإنسان، في جزءٍ ممَّا يُسمِّيه فرويد "العقل الباطن"، أو ما يُسمِّيه أرسطو: الوجود بـ"القوَّة" لا بـ"الفِعْل". وقد يظهر بين حين وآخر لدى أفراد هذه الفئة عند اعتراضهم أو ثورتـهم على القواعد والمبادئ المُتعارَف عليها في المجتمع أو كان يعتقد بها سابقاً لظروف محيطية، أو يظهر بشكلٍ واضحٍ ومركـَّـز لدى قلائلَ جدًّا من الأفراد الذين يشرّعون، عن طريق استخدام "عقلهم الفاعل".
الذكاء المميز:
وهؤلاء يتصفون عادة بالذكاء المميز أمثال الأنبياء والعباقرة من العُلماء والفلاسفةِ والمُصلحين الاجتماعيِّين ممَّن تمكَّنوا من تغيـير وجه المجتمع والتاريخ بفكرهم أو بمُكتـشـفاتهم وكفاحهم.
على مر التاريخ:
وقد لقيَ هؤلاء البارزون من الأشخاص، على مرّ التاريخ، صنوفا ً من الصَّدِّ والردِّ والعقاب والتعذيب، بل والقتلِ أحيانا، نتيجة لتفاعل عقله الفعّال مع كل ماهو جديد ومعاصر ورفض كل ماهو غير مناسب زماناً او مكاناً.
تحليل مفاهيم العقل:
وهذا يُوحي أنَّ هؤلاء الأشخاص قد أخذوا باستخدام عقلهم الفاعِل لِمُحاسبة عقلهم المُنفعِل، وتحليل مفاهيمه وقيمه ومعتقداته التي كان يؤمن بها أو على الأقل كان يذكرها ويعرضها في أفكاره، والتمييز بين صالحها وطالحها، تبعا ً لِمِصدّاقـيَّتِها وصلاحيَّتها، بالنسبة لهم، ولحاضر المجتمع الذي يعيشون فيه ومستـقـبله.
العقل الفاعل في مواجهة العقل المنفعل:
فلا منقصّة ولا عيب إن حاول الشخص أن يفعّل (عقله الفاعل) في مواجهة (عقله المنفعل) وينقد ما كان يتبناه سابقاً، أو يضيف عليه شيء، او يغيّر وجهة نظره تجاه المواقف الاجتماعية او السياسية، أو يبيّن مدى إمكانية ذهنية المفكّر في تلك المرحلة عن إمكانيتة في المرحلة المتقدّمة.
العدول عن الآراء:
يقول الشهيد السيد محمد الصّدّر : "إذا كان الفرد يعتقد عقيدةً أو يرى رأيّـاً ثُمَّ يكشف له الدليل فساده وصحّة رأيٍ آخر، فإنَّ عليه - إذا كان موضوعياً مُخلصاً للحقيقة غير متعصّب لهواه - أن يعدل عن رأيه الأوّل وأن يأخذ بالرأي الأخير ، كما أنَّه إذا تبيّن له عن طريق البرهان أنّ الرأي الذي يتبنّاه هو الصحيح والأقرب إلى الحقيقة، وأنَّ الآراء الأُخرى باطلةٌ وزائفةٌ، فإنَّ عليه - تمسّكاً بالحقيقة - أن يتمسّك بمذهبه وأن يحرص عليه}. المصدر: إشراقات، ج1،ص 442.
الخاتمة:
وهذا مَصداق لرواية (العالم بزمانة لا تهجم عليه اللوابس) فالعالم بزمانه هو من يكون خَطابه موافق لعصرة ولمَرحلته . كتبها أسامة العتابي.
إرسال تعليق