U3F1ZWV6ZTM3NDI4MTc4MTgxNzE1X0ZyZWUyMzYxMjkzMTI0MzgyNg==

متاهة العنوان في رواية (متاهة السيموك)




متاهة العنوان في رواية (متاهة السيموك)


العنوان: 

(بنية لغوية مشحونة الدلالة، والممثلة لفكرة النص بقصدية من قبل المرسل، يحكمها سياق قادر على أحداث التواصل مع المرسل إليه، ويكون الفضاء الطباعي هو القناة التي تقوم بعملية الاتصال فيما بينهما). 

لعبة الظهور: 

وما يؤكده سعيد يقطين هو ضرورة الوعي بالعتبة. وأن العتبة لا تسلم نفسها بسهولة. وهذا ما يشدّ القارئ للعنوان كبنية أولية، وأن هناك من العتبات ما تحاول المخاتلة، فلا تعطي نفسها بسهولة، ويخطئ من يظن نفسه قادراً على سبر غور العتبة من أول وهلة. فالعتبات تمارس لعبة الظهور والخفاء، كذلك قد تمارس عملية الكشف عن النص. 

عمارة النص: 

وبحسب يقطين، أيضاً، يكون العنوان؛ هو المرشد. الضوء الذي يكشف النص، ومن خلاله نستدل على دروبه. وهو بعبارة "جعفر العلاق: (مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه وممراته المتشابكة). وأنا أذهب إلى أن النص الكاشف عن نفسه من خلال العنوان يُفقد النص عنصر المفاجأة، ويُخسر القارئ أفق التوقع. ومن خلال (التعمية) على العنوان يخسر الكاتب (الوظيفة التحريضية) التي هي واحدة من وظائف العنوان: (1- تعينيه 2- تحريضية 3- أيديولوجية). 

معرض الجثث: 

فبعض النصوص تكشف عن نفسها بوضوح من خلال العنوان مثل (معرض الجثث) لحسن بلاسم الذي يُفقد القارئ عنصر الاستمرار بمواصلة القراءة لأن الحدث واحد (جثة)، لكن طريقة الموت تختلف من قصة لأخرى. أو رواية جمال حسين (أموات بغداد)، و(فرنكشتاين في بغداد)، لأحمد سعداوي، وهما رواية واحدة لكاتبين بعنوانين مختلفين، ولا تختلف (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي كثيراً عن هذه الرؤية. وبعضها يكشف عن نفسه بطريقة الحضور والغياب مثل (عجائب بغداد) لوارد بدر السالم. فالعنوان هنا، يميل إلى عالم الحكايات، مثل (ألف ليلة وليلة) أو حكايات (السندباد البحري)، (أليس في بلاد العجائب)، وبعض العناوين عصّي على الكشف أو يحتاج لمهارة مثل (اسم الوردة) أو (العنب الأسود)، أو (المملكة السوداء) الذي يذهب بالمتلقي إلى عالم روايات الرعب، ولا يمكن الكشف عن قيمة العنوان إلا من خلال نصوص المجموعة التي اشتغلت على شخصيات القاع (بعبارة ياسين النصير)، شخصيات مهمشة، كأنها تعيش في مملكة سوداء. 

نص موازي: 

والعنوان، بنية نصية مكثفة كاشفة عن المتن في أبسط صوره. ولو انطلقنا من عبارة جيرار جينيت في العتبات، من أن العنوان (نص موازي)، فنحن إذن نقرأ المتن، قراءة أولية، مكثفة من خلال العنوان الذي يكشف رأس جبل الجليد الذي يحدد أول نقاط الالتقاء والتقاطع بـ(حوارية مع القارئ)، و(جدلية مع نفسه)، ويبقى المتن هو الجزء الغاطس من هذا الجبل. وبهذا التقديم تكون رواية (متاهة السيموك) واحدة من الروايات التي تشتغل على الحضور والغياب، (بنية سطحية ظاهرة، وبنية عميقة). في الرؤية الأولانية السطحية، تندرج الرواية ضمن أدب المقاومة، ويتضح هذا من خلال سير الأحداث والمعارك، وذكر الأماكن، لكن الرؤية العميقة توحي ببعد آخر، يقترب من التصوف، وكأني كل هذه الحوادث والمعارك محضّ خيال، سير وسلوك نحو الجبل الذي يسكن فيه طائر (السيموك/السيمرغ). 

منطق الطير:

 فالعنوان واضح تمام الوضوح وهو يسير باتجاه كتاب (منطق الطير) لـفريد الدين العطار. بل حتى الاشتغال (كأيديولوجية) تسعى للخلاص (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ) – رغم اختلاف الزمان والمكان والحدث، والأدوات، بل حتى التقنية- يذهب باتجاه العطار وطائر السيمرغ (السيموك). 

طهرانية منتقاة: 

الرواية؛ سيرة ذاتية (فردية وجماعية)، وقراءة تاريخية أيديولوجية (طهرانية منتقاة) لتشكيل (ديني سياسي) يسعى للخلاص، وقهر الظلم والفساد. فكأن شخصيات الرواية، هي عينها طيور العطار التي اجتمعت للبحث عن قائدٍ لها، (فيقررون أنه لابد لهم من أن يخضعوا أنفسهم لواحد منهم يجعلونه مرشداً لهم أثناء بحثهم عن السيمورغ حتي يوفقوا إلي العثور عليه. ثم يختارون الهدهد). 

طيور العطار:

ومثلما حدث مع طيور العطار، حدث مع أبطال علي ﭽالي ظهرت هنا هذه السلوكيات، هناك من يموت معظمها خلال الرحلة، وهناك من تراجع، وهناك من تخلف، وهناك من سقط،. وحينما وصلت طيور العطار لم تجد سوى المرآة. وكأن العطار خلص إلى القول الصوفي (من عرف نفسه فقد عرف ربه). وبوصول الطيور، وانقطاع طيرانها، نصل لنهاية الرواية، توقف (سليم) عن الحركة (أخذت كوثر بعيداً عن المقرّ بمسافة خمسين متر، حينها سقطت قذيفة قريبة منّا مُستهدفة مقرّ قيادتنا، غطّى محيط المكان غٌبار كثيف وتصاعدت ألسنة الدخان حتى تغيّرت ملامح كُل شيء، أُصيبت كوثر في عينيها إصابة بالغة، وأنا قُطعت قدماي. والآن أتنقل على كرسيّ مُتحرّك. كتبها الاستاذ محمد السباهي.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة