اليوم
الرابع
استكشاف نور المدينة وأسرارها
الكاتب: عبد الاله الشبيبي
المقدمة:
إنَّ
من الضروري الالتفات إلى الجانب الديني في السفر، بكل وسائله وظروفه ودوافعه، وذلك
من خلال الاهتمام بتزكية النفس، وتطهير النية، والاهتمام بقراءة الأدعية المأثورة،
واصطحاب كتاب الله الكريم، وأيضاً دفع الحقوق التي على المسافر قبل القيام بالسفر،
والالتزام بالأخلاق مع رفقاء السفر؛ كما يقول السيد هادي المدرسي، فهي من اللوازم
المهمة والضرورية والمفيدة عند الأخذ بها.
بعد
انتهاء اليوم الثالث، رجعنا إلى مقرنا في الفندق قرب المسجد النبوي، وتوجهنا فوراً
إلى أماكن المنام حيث راح كل واحد منا يتخيّل ما وقع أمام عينيه، لكنْ خطر في بالي
سؤال؛ ماذا لو كان قبر الرسول (ص) في بلد آخر؟ هل ستكون هناك خدمات أفضل مما يُقدم
اليوم من قبل المملكة السعودية؟ وهل يُعدّ النبي مظلوماً هناك حيث لا يُسمح
للزائرين الكرام التقرُّبُ منه وأخذ البركات والتزود من ضريحه الطاهر؟ أم لا بد من
اتخاذ هذه الإجراءات لحفظ النظام وانسيابية الزيارة؟
وربّما
كان فينا من يسأل؛ لماذا لا نجد مثل هذه الأمور في المراقد الأخرى في العراق من
توسعة وفتح أبواب وطرقات ووسائل راحة للزائرين في أماكن ومنافذ خاصة، بدلاً من
تأخير الزائرين بالقطوعات ونقاط التفتيش، على عكس ما رأيناه هنا في المسجد النبوي،
إذ لا توجد نقاط تفتيش وقطوعات كثيرة وإنما أمور تنظيمية وقانون يفرض على الجميع
من أجل خدمة الإنسان وتسهيل مهامه أثناء الزيارة.
عند البقيع الغرقد:
ومع
صوت الأذان، أيقظونا لصلاة الفجر خلف المرشد، لنتوجه بعدها نحو أئمة البقيع حيث
سمحوا لنا بالدخول وفُتحت الأبواب مع صلاة الفجر وبقيت كذلك حتى الصباح، دخلنا مع
الحشود، وقد بيّن لنا المرشد في البداية أنَّ هذا المكان يضم أربعة من قبور الأئمة
المعصومين، إذ يقع قبر الإمام الحسن (u) والإمام السجاد (u)
والإمام الباقر (u)
والإمام الصادق (u)
في المقدمة، وقد أحاطت بها القوات الأمنية بأصنافها العديدة، كالقوات الخاصة
والجيش والشرطة والاستخبارات المدنية وأزياء عسكرية كثيرة لا نعرف أسماءها أو
أصنافها.
بدأنا
نقرأ الزيارة الخاصة بأئمة البقيع مع الدعاء والتوسل بهم لقربهم عند الله عز وجل
في حفظ الأمة ومن أوصانا بالدعاء، ومن ثم سار بنا الحشد حتى المنتصف، وأنا أنظر
إلى المكان وقلبي يعتصر من الألم والكمد لهذا الظلم والحرمان لهم ولنا نحن المحبين
من أن نقترب منهم ونتمسك بقبورهم المطهرة سلام الله عليهم ونشمّ تراب الأرض التي
ضمت الأجساد الطاهرة، حتّى لتشعر وكأنهم في سجن فلا يسمح لك بالتقرب منهم ولا يسمح
لهم بالخروج.
تقديم العلاجات والاسعافات:
عند
الساعة العاشرة والنصف صباحاً، نزلنا إلى استقبال الفندق، حيث وجدنا المفرزة الطبية
التي فتحت أبوابها لاستقبال الحالات المرضية وتقديم الإسعافات الأولية، وكانت هناك
مجموعة من العلاجات الطبية التي قد مررت عليها أثناء وجودي في الصيدلية([1]).
كان هناك شخص من الكادر الطبي يحتاج إلى المساعدة في قراءة الوصفات الطبية
المكتوبة باللغة الإنجليزية، فقلت له: "نحن بالخدمة، جاهزون لتقديم المساعدة
في أي شيء إن أحببتَ". فوافق، وكأنني نزلتُ عليه من السماء في هذا الأمر.
وبعد
الانتهاء من تقديم المساعدة تلاطفت مع أحدهم قائلاً: لا تنسونا بكتاب شكر من
الوزارة، ثمّ توجهنا نحو المسجد النبوي حيث صلاة الجماعة، لفتت انتباهي تصرفات
وأفعال غير مألوفة، فالصلاة كانت بلا قنوت ولا تكبير، والتحرك نحو الأمام أثناء
الصلاة إذا كان المكان فارغاً أمراً طبيعياً، كما أنَّ بالإمكان الوقوف والصلاة في
أي مكان بمجرد أن تسمع صوت الأذان، وكأنّها صلاة جوفاء لا روح فيها ولا اعتناء، وبعد
الانتهاء تبدأ كالعادة صلاة الأموات ذات التكبيرات الثلاث فقط.
وكانت
وجبة الغداء لهذا اليوم مكونة من الرز والفاصولياء مع المقبلات الأخرى من موز
وتفاح وكأس من اللبن، مع الصمون العراقي الكهربائي أو الخبز العربي المقطع لمن
يريد، عدنا بعدها إلى الغرفة لأخذ استراحة قصيرة.
ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة :
ثمّ
توجهنا إلى أعظم منطقة داخل الحرم بعد قبر الحبيب المصطفى (ص) ألا وهي تلك المنطقة
التي قال عنها (ص): (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وإن منبري على ترعة من
ترع الجنة)([2])، بعد أن رتب لنا
المتعهد موعد الدخول لها، فلا يُسمح لأحد دخولها إلا بتنسيق موعد حجز واستحصال
بطاقة تعريفية لها وقت ثابت ومحدد.
قبل
صوت الأذان، أدخلونا إلى المنطقة الأولى، وبعد إتمام الأذان والصلاة خلف إمام
المسجد النبوي بنفس تلك الصورة الشكلية الخالية من الروحية سُمح لنا بالدخول إلى
تلك المنطقة المباركة والروح تهفو لها والقلب يرف والعين تدمع والخاطر يجول ذات
اليمين وذات الشمال، جلست في مكان ورحت أصلي لمن أحبهم وأدعو لهم بالحفظ والرعاية
فكانت دقائق سريعة مرت كلمح البصر وانتهى موعد اللقاء مع ذلك المكان الذي لم يتكرر
إلا في العمر مرة لمن حصل له شرف الدخول.
وفيها
مكان المنبر المبارك الذي كان يخطب فيه رسول الله بالجموع، يحثهم على الإيمان
والتقوى والعمل الصالح ويبلغهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم وتعاليم الدين
الإسلامي الحنيف ونشر الدعوة واستقطاب الأنصار والأصحاب.
في الختام:
ثم بدأت
أتجول في الطرق المطلة على الحرم والفنادق الشاخصة التي تحيط به من الجهات الثلاث،
عدا جهة البقيع التي لا يوجد فيها فنادق مع البنايات الكبيرة التي توجد هناك وعنصر
الأمن وضبط النظام والحفاظ على قدسية المكان وصاحب المكان. وهناك أعمال أخرى تم
القيام بها برفقة الحجاج الذين كانوا يرافقوننا طوال تلك الساعات.
هكذا
نودع يوماً من أيام وجودنا في المدينة المنورة، مدينة الرسول المصطفى، التي شرفها
الله بهؤلاء الأطهار الذين أذهب عنهم الرجس وجعلهم سادة وقادة على الأمة.
فلنحفظ
في قلوبنا ذكريات هذه المدينة المقدسة، ولنجعل من كل لحظة فيها شعلة تُضيء دروبنا
بالحب والإيمان. فكل زاوية فيها تتحدث عن تاريخ عظيم، وكل ركن يحمل عبق الرسالة
النبوية، التي لا تزال تنير دروب البشرية.
إرسال تعليق